ما هو التضخم الاقتصادي وما مظاهره؟
يمكن اختصار معنى التضخم الاقتصادي في ما يلي: "التضخم هو تراجع القدرة الشرائية للعملة في بلد ما خلال فترة زمنية
معينة"، ويظهر هذا التراجع في ارتفاع لهيب أسعار المواد والسلع والخدمات.
وعموما، فتدهور قيمة العملة ينتج عنه بالضرورة تراجعا في المستوى المعيشي للناس، نظرا لارتفاع تكلفة العيش، وعدم قدرتهم على شراء الحاجات الضرورية، بسبب تزايد أسعارها أمام تدهور وتراجع قيمة العملة الشرائية وتجميد الأجور.
أسباب التضخم وعوامله وطرق قياسه:
وفي غالب الأحيان نجد أن العامل الأساسي لإرتفاع معدل التضخم هو غمر السوق
المالي بكميات ضخمة من السيولة النقدية، وذلك إما بطباعة العملة وشراء
سندات الدين، أو بخفض سعر الفائدة لتسهيل القروض امام الناس.
ومن مسببات التخضم والأزمة الاقتصادية نذكر وباء كوفيد-19، الذي ساهم في
توقف سلاسل الإمداد بالسلع والخدمات وتقليص فرص الشغل وارتفاع نسب البطالة،
وكذا تداعيات حرب اكرانيا وروسيا المتمثلة في تأثر امدادات الغاز والبترول
وكذا تقلص انتاج القمح في البلدين.
وبالاضافة الى الأجراءات النقدية الثلاثة التي سبق ذكرها، فجر ذلك معدلات
التضخم الى نسب غير مسبوقة، فاقت 6% في الولايات المتحدة الأمريكية أكبر
اقتصاد في العالم، و ما يزيد عن 5% في بريطانيا وأوروبا. رغم أن نسب التضخم
التي وضعتها الأبناك المركزية كحد أقصى في تلك الدول هو في حدود 2%، اما في
بعض الدول العربية فقد وصل التضخم في مصر مثلا الى 24.4%.
وعموما يتم قياس التضخم بعدة مؤشرات، يبقى أهمها حركية الأسعار في السوق، حيث ترتفع أسعار السلع والخدمات إما لزيادة الطلب عن العرض في الاقتصاد، أو بسبب ارتفاع كلفة الإنتاج، فتمرر هذه الزيادات في الأسعار الى المستهلك.
تعمل السلطات النقدية على الحد من التضخم بعدة إجراءات:
وبما أن الدور الأساسي للبنوك المركزية هو المحافظة على معدل التضخم الاقتصادي عند مستوى مقبول، فإن أول ما تقوم به حينما يتجاوز مستوى التضخم الخط الذي وضعته كحد أقصي يضمن التوازن والاستقرار في الأسعار والاقتصاد، هو التوقيف التدريجي لضخ السيولة في الاقتصاد، والتشديد على الائتمان برفع الفائدة، الذي ينتج عنه ارتفاع قيمة العملة، وبالتالي تزايد قوتها الشرائية والحد من لهيب الأسعار. دون ان ننس الزيادة في الأجور للتخفيف من ٱثار التضخم على المواطنين.
قيمة العملة الوطنية وقدرتها الشرائية:
قامت الابناك المركزية في معظم دول العالم بتخفيض الفائدة الى أدنى مستوى لها، وكذا ضخ السيولة لتحريك الاقتصاد خلال سنة كورونا، فأدى ذلك الى تراجع القيمة الشرائية للعملة، الأمر الذي ساهم في رفع في معدل التضخم.
وفي الوقت الحالى رفعت الأبناك المركزية معدل الفائدة، وعملت على توقيف
برامج ضخ النقد. غير أن بعض خبراء الاقتصاد والمحللين شككوا في أن رفع
الفائدة ليس كافي بالقدر الذي يمكن أن يحد من ارتفاع الأسعار، وتعزيز
القدرة الشرائية للعملة الوطنية.
التضخم وتأثيره في الاقتصادات المختلطة:
غالبا ما تنظر السياسة المالية في البلدان ذات الاقتصاد المختلط، أي ما
بين "اقتصاد السوق" و"تنظيم الدولة"، الى النمو الاقتصادي الذي يمكن تحقيقه
خلال السنة المالية، أكثر من دورها الأساسي في ضبط التضخم والحد منه.
ومن أمثلة ذلك نذكر دولتى الصين وتركيا، أما الصين فهي تلجأ دائما إلى خفض
قيمة عملتها عمداً بهدف رفع الإنفاق والاستهلاك المحلي، وبالتالي تحقيق نسب
نمو مرتفعة في الناتج الداخلي الإجمالي. ويأتي هذا التدخل من طرف الصين
متوازياً مع النمو الكبير في قطاع الصناعة، لهذا نجد ان عملتها الـ "يوان"
لم تشهد انهياراً قويا، كما لم ترتفع فيها اسعار السلع والخدمات بشكل منفلت
للنظر.
أما في تركيا فقد اعتمدت هي الٱخرى التجربة الصينية لرفع معدلات النمو في
اقتصادها، لكن كان تدخلها ربما غير مدروس بما فيه الكفاية لخفض سعر
الفائدة، الذي دفع بعملتها "الليرة" نحو الانهيار وبالتالي ارتفاع الأسعار
والوقوع في فخ التضخم، الذي أصبح معدله السنوي حاليا 70 %.
أما في أغلب البلدان العربية، فإنها تلجأ الى ربط عملاتها الوطنية بعملة
أقوى اقتصاد في العالم، وهي الدولار الأمريكي، إما بشكل كامل أو جزئي. وهذا
الإجراء المالي يحمي الدول العربية من تقلبات اقتصادية عالمية قوية ويساعد
السلطات النقدية على التحكم في معدل التضخم بالطرق التقليدية المعروفة كرفع
نسب الفائدة وخفض حجم السيولة التي تضخ في الاقتصاد الوطني، الذي يتأثر
بدوره بارتفاع الأسعار بنفس المعدلات التي يشهدها الاقتصاد الذي يعتمد عملة
الدولار.
وعموما فموجة التضخم في وقتنا الحالى تضرب معظم دول العالم وبنسب متفاوتة،
فعلى سبيل المثال وصل التضخم في: الأرجنتين 51 %، وسريلانكا حوالى 30%،
وإيران 40%، والتضخم في السعودية 3.3%.